الاثنين، 14 ديسمبر 2009

بوادر «اللّه يستر منها»!

مقال للكاتب: أحمد الديين
كثيرون من حسني النوايا توهموا أنّ مرحلة ما بعد اجتياز الحكومة تحدي الاستجوابات الأربعة ستتسم بالاستقرار السياسي والتركيز على التنمية، ولكن المؤسف أنّها لن تكون كذلك، فالمرحلة المقبلة كما تبدو بوادرها ستكون في الغالب مرحلة استعراض الحكومة لقوتها؛ ومرحلة تصفية الحسابات السياسية وملاحقة العناصر المعارضة، ومرحلة استغلال غطاء الغالبية النيابية الموالية للحكومة لتمرير المشروع القديم المجدد لتنقيح الدستور!

فلم ينقض يوم أو يومان على انتهاء جلسة مناقشة الاستجوابات بشقيها السري والعلني حتى بدأت تطل علينا بوادر السوء لمرحلة ما بعد الاستجوابات ... فقد استعرضت الحكومة قوتها بفرض الطوق الأمني على مبنى مجلس الأمة والشوارع المؤدية إليه وتعمّدت تأخير وصول النواب إلى المجلس في جلسة يوم الخميس، وهذه في ظني “بروفة” لما يمكن أن يتكرر في جلسات مقبلة غير مرغوبة حكومياً، ومعه تمّ الإعلان عن التحضير لانطلاق مسيرة نواب الموالاة نحو قصر الشويخ وذلك بعد جلسة التصويت على طلبي عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء وطرح الثقة في وزير الداخلية!

وها هي عمليات تصفية الحسابات السياسية وملاحقة عناصر المعارضة تنطلق باستدعاء الأستاذ فيصل اليحيى المحامي في الفتوى والتشريع إلى التحقيق الإداري معه على خلفية نشره دراسة قانونية ومشاركته في ندوات، مع أنّ هذين الأمرين لا يقعان إطلاقاً ضمن دائرة المسائل المحظور على الموظف العام القيام بها، وإنما هما جزء لا يتجزأ من حرية البحث العلمي؛ وحرية الرأي؛ وحرية التعبير، التي كفلها الدستور... فيما سيتم التحقيق اليوم أيضاً في مخفر الفردوس مع المحامي والكاتب الأستاذ محمد عبدالقادر الجاسم في خمس قضايا جديدة موجهة ضده ... بالإضافة إلى تشديد حملة الملاحقة الأمنية ضد المدونين على شبكة الانترنت ممَنْ شاركوا في حملة “ارحل ... نستحق الأفضل” والحبل على الجرار!

أما استغلال الحكومة لغطاء الغالبية النيابية الموالية لها لتمرير تنقيح الدستور، فقد بدأ بإطلاق “بالون الاختبار” لقياس ردود الأفعال والمواقف الشعبية وللترويج الإعلامي لمثل هذا التنقيح، الذي يستهدف توفير المزيد من الحصانة المبالغ فيها بالأصل للحكومة تجاة المساءلة الدستورية؛ وتقليص الصلاحيات الرقابية والتشريعية لمجلس الأمة، بحيث يتطلب الأمر لتقديم الاستجوابات النيابية في المستقبل الحصول على موافقة مسبقة من عشرة نواب، ولتفتح هذه المقترحات للتنقيح الباب على مصراعيه أمام مشاركة الوزراء في التصويت على طلبات طرح الثقة في الوزراء وعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء وذلك على خلاف ما هو مقرر في الدستور، بالإضافة إلى اشتراط وجود غالبية نيابية خاصة لإقرار القوانين، التي يتم ردّها في أدوار الانعقاد اللاحقة للردّ... وهي مقترحات ليست جديدة لتنقيح مواد الدستور، بل لقد سبق أن تمّ رفضها أثناء اجتماعات لجنة إعداد الدستور في المجلس التأسيسي في العام 1962، كما رفضت البعض الآخر منها لجنة النظر في تنقيح الدستور، التي عينتها السلطة في العام 1980 خلال فترة الانقلاب الأول على الدستور، وكان يفترض منذ ذلك الحين أن تطوى صفحة مثل هذا النوع من التنقيح، ولكن الحكومة اليوم تجد أنّ الفرصة قد تكون مواتية لها لمحاولة تمرير مثل هذه التعديلات السيئة على الدستور مستفيدة من غطاء الغالبية النيابية الموالية!
هذه هي بعض بوادر مرحلة ما بعد الاستجوابات، وندعو اللّه أن يحفظ الكويت ودستورها ونظامها الديمقراطي من تداعياتها وعواقبها وسوء منقلبها!

جريدة عالم اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق