الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

Puzzle بقلم الشيخ حمد سنان


كثيرا ما ألوذ بهذا البيت عندما تكتنفني شجون الواقع،
كما كان يلوذ به صاحبه حين يقول:
لم يبق شيء من الدنيا يسر به
الا الدفاتر فيها الشعر والسمر
-
وانني حينما ألوذ بهذه الدفاتر لأجد فيها ما أفتقده، لا أرى في ذلك فرارًا من شجوني، وإنما أجده تحيزا الى ركن أستجمع ما أستطيع أن أصول به مرة أخرى.
-
لست ممن يتشاءم، بل انني أجد من بين أشد الأمور تشاؤما، ما أستطيع أن أتفاءل به، ولست ممن يستسلم للمعايير المادية، والظواهر الخارجية، فمن الأسباب ما يكون ظاهره مالا يتناسب مع نتائجه، ومع ذلك يحدث مالا يتناسب مع الحدث، اذ كيف يكون القاء الرضيع في اليم، وهو مظنة الهلكة تمكينا لهذا الوليد، بل وسببا في قتل من خيف عليه من القتل منه.
-
وفيما يشبه ذلك بجامع امكان حدوث مالا يتناسب مع الحادث ما رواه أبو قبيل، قال: «كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وسُئل: أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبدالله بصندوق له حلق، فأخرج منه كتابا قال : فقال عبدالله بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، اذ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مدينة هرقل أولا»، يعني القسطنطينية .. رواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
-
لا شك أن كثيرا ممن سيقرأ في هذا الحديث هذه المعلومة، وهي فتح رومية المتمثلة الآن بالفاتيكان، سيستنكر ذلك، وربما سيتندر بها البعض، لما يرونه من التفوق العسكري اللامتناهي عند الغرب أمام ضعفنا اللامتناهي، لكننا نؤمن بها كنبوءة تحققت أجزاؤها، فلابد أن يتحقق فيها جزؤها الباقي، فقد بشر النبي بفتح فارس والشام وبشر بفتح القسطنطينية ورومية وكلتا البشارتين إخبار عن أمر لا يمكن تصور وقوعه في الظروف التي قيل فيها، وذلك هو دليل الإعجاز، ففتح الشام وفارس بشر به رسول الله عند حفر الخندق وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وظن المؤمنون بالله الظنون حين أطبق عليهم الأحزاب من فوقهم ومن أسفل منهم.
-
وبشارة القسطنطينية ورومية قد تكون أسوأ حالا من ظروفهم في الخندق، ففي الحديث الآنف «كنا نكتب ...» وقد ثبت أن النبي نهى أصحابه عن كتابة الحديث أولا خوف اختلاطه عليهم بالقرآن، ثم أجاز لهم كتابته بعد ذلك حين استقر التنزيل، وذلك يعني أن النبوءة كانت اما أواخر الفترة المكية، أو أوائل الفترة المدنية، وكلتا الفترتين فترة ضعف، ورغم ذلك تحققت النبوءات، فتتابع فتح الشام وفارس ثم تم فتح القسطنطينية.
-
هذه النتائج اللا معقولة، لا شك أن لها كذلك مقدمات لا معقولة، وجزئيات متناثرة مبعثرة، تتجمع بين حين وآخر بفعل مقصود أو غير مقصود لتساهم باظهار معالم اللوحة.
-
حدثني الأخ بدر بن الدكتور بشير الرشيدي قبل أيام يقول: «ذهب أخي الأصغر للدراسة في أمريكا يقول وأراد أن يذهب مرة الى السينما، وأثناء مطالعته الفيلم أدركته صلاة المغرب فقام يريد الخروج من السينما للصلاة ثم العودة لاكمال الفيلم، يقول فمنعني رجل الأمن من الخروج، وخيرني بين البقاء في السينما أو الخروج وعدم الرجوع،ولم تفلح محاولاتي في اقناعه وكان رجلا جسيما فظا، فوقفت مقابله مباشرة وكبرت وبدأت الصلاة، حتى اذا فرغت من صلاتي قال أنت صليت؟ قلت نعم، قال ماذا كنت تقول في صلاتك؟ فبدأت أترجم له معنى الفاتحة وما كنت أقوله في الصلاة، فقال أريد أن أسلم، قلت الآن؟! قال نعم، قلت وفي السينما؟! قال وفي السينما، يقول محدثي فارتبك أخي ولم يعرف ماذا يفعل لأنه كان يظن أنه لا يصح أن يتلفظ بالشهادتين الا في المسجد، وأخذه الى المسجد هناك حيث أسلم.
-
انظر الى عفوية هذا الشاب الصغير في دعوته غير المقصودة للاسلام، ثم انظر الى عفوية هذه الاستجابة السريعة لهذا الرجل، هذه القابلية للاستجابة وهذه العفوية في القبول هي ما يدهش الغرب ويربكه أمام هذا الدين . هذه واحدة من مقدمات كثيرة لا معقولة تدفع قطع اللوحة المتناثرة لتتقارب فتلتئم مع بعضها لتشكل لوحة التمكين والاستخلاف، حيث يقول تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} النور آية (55).

هناك تعليقان (2):

  1. كثر الله من امثال الشيخ حمد
    كان ملك العود ! و هداه الله فصار شيخ الختمة القرآنية و عالم التجويد و خطيب المنبر

    ردحذف
  2. كثّر الله من أمثال الخيرين في كل الميادين في ديرتنا الحبيبة، والشكر لك على التعليق الكريم، وللشيخ/ سنان الفاضل على مقاله التوجيهي والتحفيزي القيّم.

    ردحذف