الثلاثاء، 2 فبراير 2010

مكافحة للتعصب أم نبذ للتدين؟

-
السجال الدائر في مصر بعد مقتلة الأقباط في نجع حمادي تبنى في البداية دعوة لمكافحة التعصب، وأطلق في النهاية حملة لمكافحة التدين.
(1)
الفكرة ليست جديدة تماما، فالخطاب الذي يخلط بين التعصب والتطرف من ناحية وبين التدين من ناحية ثانية ليس وليد هذه الأيام، وإنما تردد بشكل مقتضب وغير مباشر خلال العقدين الماضيين. على الأقل فالنظام التونسي تبناه بصورة غير مباشرة حين رفع شعار «تجفيف الينابيع»، الذي انطلق من الادعاء بأن التدين هو البيئة الحاضنة للتطرف والتربية المنتجة له. وادعى أن التصدي للأصل كفيل بالخلاص من مختلف الشرور التي تفرعت عنه، هكذا في خلط ساذج أو خبيث بين التديُن الصحيح الذي يرسي أساس النهوض بالمجتمع، وبين التدين المغلوط والمغشوش الذي يخاصم المجتمع ويعلن الحرب عليه.
-
هذه الفكرة عبر عنها ذات مرة تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية الذي تصدره مؤسسة الأهرام، ثم ترددت بعد ذلك في كتابات عدة، أشرت إلى بعضها في الأسبوع الماضي، خصوصا من قال إن ظاهرة التدين في مصر تصاعدت وبلغت مرحلة الخطر، واعتبر ذلك مما يعزز ثقافة التخلف، ومثله من صوبوا سهامهم نحو نفس الهدف بدعوى الاستسلام لغيبوبة الماضي، والغرق في محيط الخرافة، والتصدي للظلامية الزاحفة... إلخ، إلى غير ذلك من الإشارات المبطنة والعبارات الغامضة। أما الجديد هذه المرة فهو الجرأة على طرح الفكرة، والتخلي عن الأقنعة التي تم التخفي وراءها، ومن ثم الجهر بالدعوة من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
-
إن أخطر ما في هذه الدعوة أنها لا تستهدف فقط إقصاء الدين وعزله عن المجال العام، وإنما أنها تضرب في مقتل هوية المجتمع الذي قام تاريخيا على الاعتزاز بالإسلام والعروبة، وإزاء الذي أصاب العروبة من تشوهات وتصدعات، فإن توجيه السهام إلى الانتماء الإسلامي يصبح في حقيقة الأمر دعوة إلى الانتحار الحضاري والتخلي عن آخر حصون الهوية، إلى جانب كونه مفاصلة مع العالم الإسلامي وتفريطا في محيط الأمة الاستراتيجي.
-
إن دفاعنا الحقيقي هو عن القيمة والهوية، وليس عن أي ممارسات تصدر عن اتباع الدين، خصوصا إساءات المتعصبين أو حماقات الجاهلين أو أفعال المتطرفين والإرهابيين، ورغم أن تلك ملاحظة تبدو بديهية عند ذوي العقول الراجحة والحس السليم، إلا أنها غير ذلك تماما عند أولئك النفر من المتصيدين والمتحاملين، ذلك أنهم يعمدون إلى التقاط بعض تلك الممارسات ويتكئون عليها في دعاواهم، وبدلا من المطالبة بتصويبها ووقفها أو محاسبة المسؤولين عنها فإنهم يحاكمون التدين ذاته، ويدعون إلى نبذه وحصاره وطمس مظاهره في المجتمع.
-

هناك تعليقان (2):

  1. النظرة للدين سواء كانت لدى المتطرفين أو المعتديل نظرة تحتضن بذور التطرف بها

    فالمتطرف يباشر انكار ما يراه "منكرا" باليد

    أما المعتدل فيراعي المصلحة و المفسدة

    كلاهما يتفقون في المبدأ و لكن يختلفون في التوقيت


    فالفرق بين التطرف و الإعتدال فرق توقيت لا فرق نوع


    ---

    نحن بحاجة إلى نظرة ليبرالية للدين

    تأخذ بعين الاعتبار تطور الفكر الانساني ونزوعه إلى الحرية

    وتنسى "طاعة ولي الأمر" ذات البعد التاريخي و الثقافي و الاجتماعي "الماضي"


    نحن بحاجة إلى إسلام ليبرالي بصراحة

    ردحذف
  2. - مسألة إنكار المنكر أخي نور الليل مبينة بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فليغيره بلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

    - ومراعاة المصالح والفاسد من أبواب الشريعة الإسلامية السمحاء، الصالحة بحكم هذا الباب وغيره، للتطبيق في كل زمان ومكان، بفضل الله المنّان.

    - لسنا بحاجة لنظرة ليبرالية للدين، بل بحاجة لنظرة إسلامية للدين والدنيا، فالإسلام نظام شامل وكامل، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}.

    - شكرًا للمرور، والقراءة، والتعليق.

    ردحذف